الصفحة الرئيسية >بدون طيار >بوتين يفعل الآن ما كان يتهم به أمريكا.. تغيير النظام
May 20بواسطة الذكية منظمة العفو الدولية.

بوتين يفعل الآن ما كان يتهم به أمريكا.. تغيير النظام

يغير الغزو الروسي لأوكرانيا مجرى التاريخ،ولكن ليس بالطريقة التي تفهمها القوى الغربية.فنحن نشهد نهاية ما لا يقل عن ثلاثة عقود منالهيمنة الأمريكية والغربية على شؤون العالم العسكرية والاقتصادية ما بعد انهيارالاتحاد السوفياتي. إن الذي يتشكل بديلاً عن ذلك هو عالم تديره القوى العظمى.إلى جانب الولايات المتحدة تبرز كتلة واحدة –كتلة القوة الأوروآسيوية التي تقف الصين في طرف منها وتقف روسيا في طرفها الآخر،وما بين الطرفين توجد أضخم كتلة أرضية في العالم، بما فيها من موارد غير محدودة منالطاقة والقوى البشرية، والقوة العسكرية والسيبرانية والذكاء الصناعي.وهذا بمثابة إعادة ترتيب هائلة للأثاث على سطحسفينة بحجم التايتانيك بينما تغرق الكتل الأرضية حول العالم بهدوء في البحر، وإلىأن يتم رسم الخطوط الحمراء الجديدة، فلن يكون العالم أكثر استقراراً مما كان عليه.كثيرة هي المؤشرات على انهيار النظام العالميالذي تقوده الولايات المتحدة، وهو النظام الذي أطلقت عليه الكثير من الأسماء، مثلالتدخلية الليبرالية، وتحالفات الراغبين، والنظام المحكوم بقواعد. شهد العام الماضيسقوط كابول بأيدي الطالبان، والمحادثات المطولة مع إيران في فيينا والذي يتوقع أنتبرز منها طهران أكبر الفائزين، وها هو بوتين الآن يغزو أوكرانيا.وما يمكن جداً أن يأتي من بعد هو قيام الصينبالاستيلاء على تايوان. وكل هذه الأمور الأربعة يرتبط بعضها ببعض.أخذ على حين غرةكل واحد من هذه الأحداث أخذ واشنطن على حينغرة. لم تكن لدى الولايات المتحدة أدنى فكرة كم ستكون سرعة انهيار الدولة فيأفغانستان بمجرد الإعلان عن الانسحاب. ومن بين الدول المجاورة، لم يكن مسلحاًبالمعلومات الاستخباراتية الصحيحة سوى الحرس الثوري الإيراني، الذي كان متواجداًمع الطالبان على الأرض.بنفس الشكل اضطرت الولايات المتحدة إلىالانسحاب في كل الجبهات – وخاصة فيما يتعلق بالعقوبات – أمام صمود المفاوضينالإيرانيين في فيينا، كذلك لم تكن على أهبة الاستعداد للتعامل مع حشد القواتالروسية على حدود أوكرانيا ناهيك عن أن تكون مستعدة لوقوع الغزو نفسه.كل واحد من هذه الأحداث أجبر صناع السياسة علىالتراجع بلا ترو، وهذا ما لا جدوى من ورائه.خذ على سبيل المثال أثر الحصار المالي الغربيالذي يوشك أن يفرض على روسيا، رغم أنها على الأغلب ستستمر في تزويد أوروبا بالغاز،على حقول النفط الإيرانية. كل ما سيحدث أنها سترفع لهم سعر النفط.وما من شك في أن ذلك سيشكل فرصة سانحة أمامإيران إذا ما أخذنا بالاعتبار احتياجات أوروبا المتعطشة للنفط. فهل كانت تلك هيالنتيجة المرجوة من أربعة عقود من العقوبات التي وصلت أوجها في عهد دونالد ترامببانتهاج سياسة "الضغط الأقصى"؟ حتى وقت قريب جداً كانت مراكز البحثوالتفكير التابعة للمحافظين الجدد في واشنطن تعتقد بأن تغيير النظام في طهران أمروارد.من وجهة نظر تلك البلدان المستفيدة من وجودالنظام الدولي الأمريكي، هناك صفتان مميزتان لسلوك واشنطن يمكن اعتبارهما مزعجتين،أما الأولى فهي انعدام القدرة على رؤية العالم إلا من خلال عيونها – وكثير منالناس في الشرق الأوسط يعتبرون تلك نظرة استعمارية. وأما الثانية فهي انعدامالمرونة والإصرار على انتهاج ما تم تبنيه من مسلك دون أي انعطاف.أمريكا هي التي قامت منفردة بتحديد مواصفاتالسلوك الديمقراطي ثم أصدرت إعفاءات للحكام المستبدين الموالين للغرب سامحة لهمبتجاهل تلك المواصفات. وبذلك غدت حقوق الإنسان أو السياسة الخارجية التي تقوم علىالقيم أمراً انتقائياً جداً – تشهر في وجه بلد مثل فنزويلا ولكن ليس في وجه بلدانمثل المملكة العربية السعودية ومصر.وكذلك كان طوني بلير وجورج بوش هما من قررا غزوالعراق في اللقاء الذي جمعهما في كروفورد قبل سنة كاملة من وقوع الغزو أو قبل دخولمفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة. وكان بوش هو أول من مزق المعاهدات الدولية،وأطلق على معاهدة منع انتشار الصواريخ البالستية لعام 1972 عبارة "عفا عليهاالزمن". وكان بيل كلينتون هو أول من أعاد رسم حدود دولة أوروبية أثناء حربكوسوفو مع صربيا.اعتبر هؤلاء الزعماء أنفسهم سادة العالم، إلاأن قراراتهم الاستراتيجية لا منطق فيها.يبدو أن الجميع ينسى، بما في ذلك كير ستارمرالذي هدد بمعاقبة أحد عشر نائباً عمالياً من أعضاء البرلمان لأنهم أرادوا توقيعبيان يطالب بوقف الحرب، أن طوني بلير طالب العالم بنسيان أوكرانيا في عام 2014عندما استولت روسيا على شبه جزيرة القرم والتركيز على الحرب ضد الإسلامالراديكالي.منافس فاشللم تعتبر واشنطن روسيا عدواً، بل والأسوأ منذلك، من وجهة نظر بوتين، أنها اعتبرت روسيا منافساً فاشلاً. وعلى مدى جل العقودالثلاثة الماضية لم تفتأ واشنطن تقول لموسكو: "نسمع ما تقولون ولكننا سنعملما يبدو لنا على كل حال."قائمة التدخلات الغربية اللانهائية، والتي كانتفي آخر المطاف تؤول إلى الفشل، والتي لم يكن لدى روسيا أو الصين ما تفعله لوقفها،كان لها أثر تراكمي على النفسية الروسية والصينية. وبينما ملأت روسيا خزائنهابدولارات النفط بدأت أيضاً بإعادة بناء قوتها العسكرية. حينذاك اعتبر الجنرالاتالبريطانيون والأمريكان ذلك نكتة، ولكن يبدو أنهم تعجلوا الحكم.ولكم كثرت الحكايات المتداولة حول عقم الجيشالروسي، مثل القول إن الطيارين الروس لا يمضون سوى ساعات معدودة من الطيران فيالشهر الواحد لأنه لم يكن أحد يملك دفع تكلفة الوقود، وأن البحارة الذين كانوا فيزيارات متبادلة ينهمكون في التبضع وينفقون على مشترياتهم مبالغ المصروف اليوميالتي يخصصها لهم البلد المضيف، وأن كل سفينة تبحر لابد من أن ترافقها سفينة أخرىتحسباً من إصابتها بأعطال تعيقها، وأخيراً أن روسيا لا تملك القدرة على إرسال قوةاستطلاعية.تغير ذلك التقييم سريعاً عندما بدأ بوتين تدخلهفي سوريا، وهو التدخل الذي كان حاسماً في الإبقاء على الأسد في السلطة.طوال ذلك الوقت كان بوتين يضمر في ذهنه نوعاًمن رد الفعل. وكثيراً ما كان يساء تفسير ذلك باعتباره محاولة من قبل ضابط صغيرسابق في المخابرات الروسية إعادة بناء الاتحاد السوفياتي. لا، ليس الأمر كذلك، بلإن روسيا الفيدرالية التي يحكمها بوتين رأسمالية حتى النخاع، والرجل الذي يقف علىرأسها أغنى رجل في التاريخ الروسي – أغنى حتى من القياصرة أنفسهم.صحيح أن الزعماء السوفيات كانوا يتمتعونبامتيازات كبيرة ولكنهم بالمقارنة لم يكونوا أثرياء.يكفيك أن تتجول في المناطق التي كانت متميزة فيالسابق داخل الغابات المحيطة بموسكو لترى بأم عينيك الدليل على ذلك. كانت منتجعاتالمسؤولين في الحقبة السوفياتية متواضعة، عبارة عن أكواخ خشبية متهالكة، بطلائهاالأخضر المتفتت، مقارنة بالأكواخ متعددة الأدوار التي يملكها الأثرياء الروسحالياً. حسبك أن الطريق المؤدية إلى هذه المستوطنات تنتشر فيها الدعايات التي تعلنعن بيع سيارات اللامبورغيني والشقق التي تصلح لإيواء العشيقات.القومية الروسيةبوتين أوليغارك وليس سكرتيراً عاماً. وبينماكان الاتحاد السوفياتي قوة عالمية فإن روسيا الفيدرالية في أحسن أحوالها قوةإقليمية. والأيديولوجيا التي حفزت بوتين على غزو بلد لا يعتقد بوجوده أصلاً لاتنبع مما كان يفعله البلشفيون بقدر ما تنبع من الأرثوذكسية الروسية والقوميةالروسية.لم يكن بوتين في بداياته معاديا للغرب، بلاستغرقه ذلك سبع سنوات طوال، ما بين بروزه كرئيس للوزراء في عام 2000 وإلقائهخطابه الشهير في مؤتمر ميونيخ الأمني في عام 2007. ولقد حاول طوال ذلك الوقتالتواصل مع الغرب بل وحتى الانضمام إلى الناتو، ولكنه كان يقابل بالصد المرة تلوالأخرى. وكذلك كان الموقف من أفكاره حول التحالف الأمني الأوروبي، لأن ذلك أيضاًفسر خطأ على أنه محاولة من قبل روسيا للسيطرة على السياسات والحريات في دول شرقأوروبا الخانعة.نقطة التحول في رحلته من أوليغارك موال للغربإلى مستبد قومي روسي كانت سقوط القذافي في ليبيا، ليس لأنه كان محباً للدكتاتورالليبي وإنما لأن الأمر يمس المصالح النفطية والعسكرية الروسية.امتنعت روسيا عن التصويت على قرار لمجلس الأمنالدولي يسمح باستخدام القوة في ليبيا، وهو القرار الذي استحق بسببه رئيس الوزراءحينذاك، ديمتري ميدفيدف، سخط روسيا، عندما تبين أن النتيجة التي سيفضي إليهاالتدخل في ليبيا هي تغيير النظام. حينها ظهر مقطع فيديو روسي مجهول المصدر ولكنبجودة عالية يندد بميدفيدف باعتباره خائناً – مستخدماً نفس الألفاظ التي تستخدماليوم لوصف بطلي الإصلاح الروسي الأخيرين من وجهة النظر الغربية ميخائيل غورباتشوفوبوريس يلتسين.حدث ليبيا في عام 2011 وليس غزو العراق في عام2003 هو الذي حسم قرار التدخل الروسي في سوريا في عام 2015.ما الذي سيحدث الآن؟أول تغيير رئيسي سيطرأ نتيجة للغزو الروسيلأوكرانيا هو أن روسيا ستغدو الآن ضالعة في نفس الممارسات التي كانت تتهم بهاالولايات المتحدة – تغيير النظام.بعد أن أدانت على مدى عقود التدخلات الغربية فيأفغانستان والعراق وسوريا وليبيا باعتبارها تدخلات لتغيير الأنظمة، بل واعتبارالربيع العربي مؤامرة من نسج وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، تمارس روسياالآن نفس العمل في أوكرانيا.بل راحت تستخدم نفس المنطق الذي استخدمتهواشنطن طوال جل الثلاثين عاماً الماضية. فهي تتوغل في أوكرانيا لأن بوسعها أن تفعلذلك، ولأنها تعلم أن الناتو لا يمكنه التحرك ضدها دون المخاطرة بتفجير حرب نووية.في الشهر الماضي قال ديمتري ترينين، الخبيرالمخضرم في الشؤون العسكرية والسياسة الخارجية الروسية: "لربما كان مشروعروسي منفصل قيد التشكل حالياً، وهو مشروع لا يتوقع الاندماج في عالم يستمر الغربفي لعب دور قيادي فيه، حتى وإن لم يكن دوراً مهيمناً. نتيجة لما قد يتبع ذلك منقطيعة بينها وبين الغرب فقد تتجه روسيا نحو إقامة علاقات أوثق مع الدول المهمة غيرالغربية، وعلى رأسها الصين، وكذلك إيران، إضافة إلى تعزيز العلاقات مع خصومالولايات المتحدة داخل العالم الغربي مثل فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا. بموجب هذاالسيناريو قد تنهج روسيا سياسة خارجية أكثر نشاطاً، وقد تبدأ موسكو في فعل نفسالشيء الذي طالما اتهمها الغرب بالقيام به. ضمن هذا السيناريو سوف تهدف روسيا إلىإقامة دائرة نفوذ خاصة بها وستسعى كذلك إلى ممارسة الحق في استخدام القوة لإسقاطمن لا ترغب في وجوده من الأنظمة."لا عذرفي نهاية المطاف لا يوجد ما يعذر شن حرب أخرى.لا يبرر أي من ذلك أو يعذر الدفع بالدبابات إلى داخل أوكرانيا.كنت موجوداً في غروزني في عام 1994 عندما حاولتالدبابات الروسية الدخول إلى المدينة، فتصدى لها الشيشان بمقاومة شرسة وتمكنوا منردعها مؤقتاً. ولكن ما لبث بوتين أن غزا المدينة وسحق المقاومة تماماً في عام2000، ولم يتورع حينها عن تدمير المباني عن بكرة أبيها وتنصيب رئيس مضطرب عقلياًعلى الجمهورية.قامت زميلتي الروسية أنا بوليتكوفسكايا بتدوينيوميات الحرب الثانية في الشيشان، وعندما سألتها لماذا خاطرت بحياتها للكشف عماوصفته بجرائم الحرب الروسية قالت إنها كانت تقاتل من أجل روح روسيا. ما لبثت أناغتالها قاتل محترف في مدخل البناية التي كانت تقطن إحدى شققها.ليس لدي أدنى فكرة عما إذا كان الأوكرانيونسيقاومون كما قاوم الشيشان أو إلى أي مدى سيذهب الجيش الروسي في قتاله. ولكني أخمنبأنهم كلما تكبدوا خسائر بشرية أكثر كلما زاد استخدام الروس للمدفعية والضرباتالجوية ضد المدنيين في الأماكن المكتظة بالسكان.قد يكون مهولاً سفك الدماء الذي سنشهده خلالالأيام والأسابيع القادمة. سرعان ما يتلاشى في الحرب مفهوم "الضرباتالمحكمة"، ناهيك عن أن الضربات المحكمة بأيدي الروس تعني استخدام القنابلالفراغية كما فعلوا في غروزني، فسحبت الهواء من الميدان الرئيسي في وسط المدينة.لم يكن من الضروري نشوب هذه الحرب، وكانبالإمكان تجنب خلاف بوتين مع الناتو، وكان بالإمكان الاتفاق على كيانات أمنيةجديدة مع موسكو تحفظ استقلال وسيادة الدول، والتي بدورها تحترم حقوق الإنسانوولاءات الناطقين بالروسية. ليس هذا علم الصواريخ، ولقد تم إنجازه في أماكن أخرى.ولكنه كان يتطلب مكوناً أساسياً لطالما كانمفقوداً في السلوك الغربي تجاه روسيا – التواضع. عندما انهار الاتحاد السوفياتيانطلق الفائز بكل شيء، ولم يشعر بالحاجة لأن يستمع. ما كان ينبغي للناتو أن يتوسعشرقاً.في أقل تقدير كان ينبغي أن يشرك قوات روسية فيهياكله وأن يصلحها. كان من شأن ذلك أن يقضي على التناقض المركزي في الإصلاح، والذييقول إن ما هو جيد للغرب فهو سيء لروسيا. بدلاً من ذلك لم يكن هناك بناء للدولة،فقط عملية هدم. ترك الأمر لشخص مثل بوتين حتى يعيد بناء القوة العسكرية الروسية،بكل ما لذلك من تداعيات اليوم.

بوتين يفعل الآن ما كان يتهم به أمريكا.. تغيير النظام

والآن يعكس بوتين ذلك المنطق حين يقول إن ما هوجيد لروسيا فهو سيء للناتو. فقط المقاومة التي سيبذلها المقاتلون الأوكرانيون منشأنها أن تقنعه بأن تكلفة الاستمرار في هذا الغزو ستكون فادحة جداً. ولكن فيمواجهة الأعداد الضخمة التي ستغزوهم، فإن الاحتمال الأكبر هو أنهم لن يتمكنوا منالصمود طويلاً، وقد تخلى عنهم الناتو وتركهم لمصيرهم بعد أن تصدر لرفع راية الحفاظعلى سلامة الأراضي الأوكرانية دون أن يكون قادراً على عمل أي شيء للدفاع عنها.والمأساة هي أنه بينما تعتبر روسيا أن الحربالباردة قد انتهت فإننا في الغرب نستمر في خوض معاركها. وها قد أعدنا خلق العدوالذي ظننا أننا تركناه من خلفنا.

(ميدل إيست آي)