الصفحة الرئيسية >بدون طيار >الحرب “الروسية-الأوكرانية” .. إلى متى سيُحافظ “إردوغان” على “منطقته الرمادية” وسط الصراع المسلح ؟
Mar 31بواسطة الذكية منظمة العفو الدولية.

الحرب “الروسية-الأوكرانية” .. إلى متى سيُحافظ “إردوغان” على “منطقته الرمادية” وسط الصراع المسلح ؟

وكالات – كتابات :

مرةً أخرى تجد القيادة التركية نفسها بين خيارات أحلاها مُر، فقد وضع الغزو الروسي لـ”أوكرانيا”؛ حكومة الرئيس التركي؛ “رجب طيب إردوغان”، في موقف صعب؛ فهو لا يُريد إثارة “روسيا” وخسارة المكاسب الاقتصادية والعسكرية التي تُحصَّل عليها عبر سنوات من: “الصداقة الحذرة”؛ مع الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، ولا يُريد في الوقت نفسه خسارة “أوكرانيا”؛ التي تُعد شريكًا عسكريًّا وإستراتيجيًّا بالنسبة لـ”تركيا”، وبالتبعية لا يُريد إغضاب الغرب الداعم لـ”كييف”.

“أوكرانيا” تفتح أذرعها للاقتصاد التركي..

في الثالث من شباط/فبراير 2022، وفي الوقت الذي كانت فيه طبول الحرب الروسية على “أوكرانيا” قد بدأت تدق، بعد أن نشرت “موسكو” أكثر من: 100 ألف من جنودها على الحدود مع جارتها الغربية، وتسابقت مخابرات الدول الأوروبية و”الولايات المتحدة”؛ في توقُّع ساعة الصفر للغزو، في ذلك اليوم، حل الرئيس التركي؛ “رجب طيب إردوغان”، ضيفًا على العاصمة الأوكرانية؛ “كييف”، في زيارة عُدت مهمة للغاية وذات دلالة، سواءً من ناحية توقيتها ورمزيتها، أو فيما تمخضت عنه من قرارات.

ففي ذلك اليوم؛ وقع “رجب طيب إردوغان”؛ مع الرئيس الأوكراني؛ “فلاديمير زيلينسكي”، سلسلة من الاتفاقيات الثنائية، كان أهمها من الناحية الاقتصادية اتفاقية لإنشاء منطقة تجارة حرة بين “تركيا” و”أوكرانيا”، وهو الاتفاق الذي رأى النور أخيرًا بعد مفاوضات دامت: 16 عامًا.

وتستورد “أنقرة”؛ من “كييف”، المعادن والخامات والحبوب والبذور الزيتية، كما أن نسبة مهمة من واردات “القمح” التركية تأتي من “أوكرانيا”، بينما تُصدر “أنقرة”؛ إلى “كييف”، الآلات الكهربائية ووسائل النقل البري والطائرات والملابس والأقمشة والمنتجات المصنوعة من البلاستيك، وبينهما تعاون فيما يخص: “المفاعلات النووية”، كما كانت “تركيا” وجهةً سياحية مهمة للأوكران خلال السنوات السابقة، فقد استقبلت البلاد أكثر من مليوني سائح أوكراني؛ خلال عام 2021.

وخلال عام 2021، كان حجم التبادل التجاري بين البلدين قد بلغ أكثر من: 07 مليارات دولار، شكلت منها الصادرات الأوكرانية نحو “تركيا”: 4.1 مليارات دولار، بينما بلغ حجم الواردات من “أنقرة” نحو: 3.2 مليارات دولار، وكانت اتفاقية التجارة الحرة الموقعة حديثًا بين الطرفين، قد رفعت التوقعات بأن يفوق حجم المبادلات التجارية بين البلدين: 10 مليارات دولار على مدى السنوات الخمس القادمة.

لكن الاتفاق الاقتصادي، الذي جاء بعد سنوات طويلة من التعثر؛ (أُجريت 11 محادثة رسمية بشأن الاتفاق؛ منذ عام 2011)، لم يكن اقتصاديًّا بحتًا، بل جاء ضمن سياق أوسع من التعاون بين البلدين يُنبيء عن تمتع كلٍّ من “أنقرة” و”كييف” بعلاقةٍ خاصةٍ، خاصةً في الجوانب العسكرية والإستراتيجية.

تعاون عسكري “مميز” بين تركيا وأوكرانيا..

خلال الزيارة نفسها؛ وقَّع “إردوغان” مع الرئيس الأوكراني؛ “فولوديمير زيلينسكي”، اتفاقية للإنتاج المشترك للطائرات بدون طيار، إذ سيجري تصنيع تكنولوجيا “الدرونز”؛ (بيرقدار)، التركية على الأراضي الأوكرانية، ويُعد استثمار “أنقرة” في تكنولوجيا الطائرات المُسيرة من أكبر البرامج الطموحة في هذا المجال، وهو “درة تاج” الصناعات العسكرية التركية، ولذلك فإن اتفاقًا من هذا النوع يُشير إلى مستوى الثقة والتقدم الذي وصلت إليه العلاقات “التركية-الأوكرانية” في الجانب العسكري.

يعود السر في توقيع تلك الاتفاقية إلى قرار “تركيا”؛ في عام 2019، المضي قدمًا في شراء منظومات الدفاع الجوي روسية الصنع؛ (إس-400)، رغم الاعتراضات الغربية والأميركية، حينئذٍ، وكإجراء عقابي، “طردت” الولايات المتحدة؛ “تركيا”، من خط الإنتاج المشترك لمقاتلات (إف-35)، التي تُعد العمود الفقري المستقبلي للقوة التكتيكية الغربية في الجو، فضلًا عن إجراءات أخرى تُحجم من قدرات “تركيا” في الصناعات الدفاعية.

حينئذٍ؛ بحث الأتراك عن بدائل تعوضهم عن الغياب الأميركي، وكان من بينها “أوكرانيا”، إذ وقعت عام 2020؛ اتفاقية للإنتاج المشترك لمحركات التوربينات، بما في ذلك المحركات الخاصة بالطيران العسكري، وهي الصناعة التي وصلت فيها “أوكرانيا” إلى مستوى متقدم، ويُريد الأتراك الاستفادة من المحركات الأوكرانية لاستخدامها في تشغيل الجيل القادم من الطائرات التركية بدون طيار.

الحرب “الروسية-الأوكرانية” .. إلى متى سيُحافظ “إردوغان” على “منطقته الرمادية” وسط الصراع المسلح ؟

وقد سبق هذا الاتفاق فترة من التعاون العسكري الوثيق بين البلدين؛ إذ اشترت “أوكرانيا”؛ منذ عام 2018، نحو: 20 طائرة بدون طيار من “تركيا”؛ (بيرقدار)، وتُشير تقديرات أخرى إلى امتلاك “كييف” عددًا أكبر من ذلك، وقد استخدمتها “كييف”؛ منذ تشرين أول/أكتوبر 2021، في استهداف مواقع الانفصاليين الموالين لـ”موسكو”؛ في “إقليم الدونباس”، الأمر الذي كان مصدر انزعاج روسي.

وفي 27 شباط/فبراير 2022، أعلن الجيش الأوكراني استخدامه (بيرقدار-2)؛ في قصف التجمعات العسكرية الروسية، ويبدو أن هذه الطائرات قد أثبتت فعالية عالية، إذ بينت لقطات نشرها الجيش الأوكراني تدمير أرتال عسكرية روسية قرب العاصمة، فضلًا عن تدمير قافلة تابعة للمقاتلين “الشيشان” المتحالفين مع “روسيا” بالقرب من “كييف”، كل ذلك من دون أن تنجح الدفاعات الروسية في اعتراض الطائرات التركية أو إسقاطها، ما يؤكد تمتعها بكفاءة عالية؛ على حد تقارير صحافية غربية.

وإلى جانب التعاون في مجال (الدرونز)، فقد إرتبطت كلٌّ من “أوكرانيا” و”تركيا” باتفاقات تقضي بتنفيذ “تركيا” برامج تدريب للطيارين الأوكرانيين، فضلًا عن الإنتاج المشترك لطائرات نقل عسكرية، وطائرات نفاثة مقاتلة، كما تضطلع “تركيا” بدور مهم في إعادة بناء الأسطول الأوكراني البحري، وهو أسطول ذو إمكانيات متواضعة حاليًا، إذ بدأت “كييف”؛ منذ عام 2020، في إنتاج السفن الحربية من نوع (كورفيت) في حوض “أوكيان” لبناء السفن في مدينة “ميكولايف”؛ (جنوب)، بشراكة مع “مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية”.

“إردوغان” يُغلق باب البحر الأسود في وجه “بوتين” !

منذ الأيام الأولى للحرب، كانت مسألة عبور السفن الحربية الروسية عبر المضائق المائية التركية؛ مثار جدل سياسي ودبلوماسي على نطاقٍ عالمي، وبموجب “اتفاقية مونترو”، التي وقعت عام 1936، تتمتع “تركيا” بالسيادة على مضيقي: “البوسفور” و”الدردنيل”، اللذَين يُشكلان قناة الوصل الوحيدة بين “البحر الأسود” و”البحر المتوسط”.

وتُتيح “اتفاقية مونترو”؛ لـ”تركيا”، صلاحية “مطلقة” في إغلاق المضائق إذا كانت “تركيا” طرفًا في الحرب، أما إذا لم تكن طرفًا؛ (كما هو الحال في النزاع الحالي بين روسيا وأوكرانيا)، فلها الحق في عدم السماح لسفن الدول المتحاربة في العبور عبر المضائق.

وقد كانت مسألة تطبيق “تركيا” للاتفاقية موضع جدل منذالبداية، فقد نشر الرئيس الأوكراني؛ قبل أيام، تغريدة عبر (تويتر)؛ قال فيها: “أشكر صديقي الرئيس؛ إردوغان، وشعب تركيا على الدعم القوي، إن حظر مرور السفن الحربية الروسية، والدعم العسكري، والمساعدات الإنسانية هي أمور غاية في الأهمية اليوم، إن شعب أوكرانيا لن ينسى هذا”.

خرجت “تركيا” بعد ذلك؛ لتنفي قيامها بإغلاق المضائق، قبل أن تعود بعد يومين على لسان وزير خارجيتها؛ “تشاويش أوغلو”، لتُعلن أنها أبلغت الجانب الروسي بأنها: “ستُطبق اتفاقية مونترو بحذافيرها”، ما يعني أن “أنقرة” ستمنع عبور السفن الحربية الروسية عبر مضائقها، وذكر “أوغلو” أن “أنقرة” تأمل من خلال تلك الخطوة: “أن توقف التصعيد العسكري في المنطقة”.

وليس من المتوقع أن يُسهم هذا القرار بشكلٍ فعَّال في دعم الموقف العسكري لـ”أوكرانيا”، إذ لدى “روسيا” بالفعل قوة بحرية ضخمة رابضة في “البحر الأسود”، بما في ذلك غواصات وسفن حربية، كما أن القرار التركي: “لا يحظر عبور السفن الحربية العائدة إلى قواعدها في البحر الأسود”.

ومن ثم سيظل بإمكان “موسكو”: “أن ترسل قطعها العسكرية البحرية من خارج البحر الأسود إلى داخله من باب أنها؛ (عائدة)، لموانئها”، وهذه: “ثغرة في بنود الاتفاقية لصالح روسيا بهذه الحالة”، وفق ما يُشير إليه؛ “سعيد الحج”، الباحث في الشأن التركي، لموقع (الجزيرة نت)، هذا عوضًا عن أن الهجوم الروسي (بري-جوي) بالأساس، وليس هجومًا بحريًّا.

ولكن؛ ورغم تلك الاعتبارات، يظل الموقف التركي بإعلان إغلاق المضائق موقفًا “سياسيًّا” قويًّا ضد “روسيا”، وعقب ذلك القرار، تلقت “تركيا”: “الشكر” من كلٍّ من “أوكرانيا” و”الولايات المتحدة”، إذ ذكر بيان لـ”الخارجية الأميركية” أن الوزير؛ “آنتوني بلينكن”: “أعرب عن تقديره لتركيا لتطبيقها اتفاقية مونترو وتصريحات وزير الخارجية التركي بشأنها”، كما شكر “بلينكن”؛ “تركيا”، على: “دعمها القوي في الدفاع عن أوكرانيا وسيادتها وسلامة أراضيها”، وفقًا لبيان “الخارجية الأميركية”.

خيارات تركيا الصعبة في الأزمة الأوكرانية..

هناك العديد من الأسباب الأخرى للدعم التركي لـ”كييف”، من بينها قضية شبه جزيرة “القرم”، التي ضمتها “روسيا” إلى أراضيها بالقوة؛ منذ عام 2015، وأعلنت “تركيا” أنها لن تعترف بهذا الضم، إذ ينحدر “تتار القرم” من أصلٍ تركي، ولذلك حرصت “أنقرة” دومًا على الدفاع عن قضيتهم، ولكن من دون استفزاز “موسكو”، وقد أعلن رئيس “المجلس القومي لتتار القرم”؛ “رفعت شوباروف”، أنه بعث برسالة شكر إلى الرئيس التركي؛ “رجب طيب إردوغان”: “تقديرًا لجهود تركيا في تحسين مستوى معيشة أتراك القرم؛ الذين أجبروا على ترك مناطقهم في شبه جزيرة القرم”.

لكن رغم ذلك؛ ثمة العديد من الأسباب التي تدفع “تركيا” إلى التريث، وعدم الاندفاع في إعلان موقف قد تُعده “موسكو” معاديًا في الحرب على “أوكرانيا”، فعلى مدار سنوات توسعت العلاقات الاقتصادية بين “تركيا” و”روسيا”؛ إذ وصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى: 40 مليار دولار، ولدى كلٍّ من مسؤولي البلدين خطط طموحة لمضاعفة هذا الرقم، كما أن الأتراك يعتمدون بشكلٍ كبيرٍ على إمدادات الطاقة الروسية، وإذا ما تأثرت العلاقات بين البلدين، فإن البدائل المحدودة أمام المسؤولين الأتراك لتعويض هذا النقص ستكون محدودة للغاية، خاصةً في ظل أزمة نقص الطاقة العالمية.

كما أن سنوات طويلة من: “الصداقة”، بين “بوتين” و”إردوغان”، قد ساعدت على الحفاظ على نوع من التوازن في العلاقات “التركية-الروسية”، رغم وقوف البلدين على طرفي النزاع في العديد من المناطق حول العالم، مثل: “سوريا وليبيا”، في شكلٍ من أشكال: “التعاون التنافسي”، ومن غير المتوقع أن يعمد “إردوغان” إلى اتخاذ سياسة تجعله يخسر “روسيا” نهائيًّا، خاصةً في ظل الضغوطات المتكررة التي يواجهها من “الولايات المتحدة”، والعلاقة المتوترة بين “إردوغان”؛ وإدارة الرئيس الأميركي الحالي؛ “جو بايدن”.

لذلك فمن المتوقع أن يظل الموقف التركي الداعم لـ”أوكرانيا”: “وفق مستويات معقولة”، بالنسبة لـ”روسيا”، فبرغم إدانة “إردوغان” للحرب على “أوكرانيا”، معتبرًا إياها: “مخالفة للقانون الدولي، وضربة قاصمة موجهة ضد أمن المنطقة واستقرارها ورخائها”، فإن الرئيس التركي حرص على التأكيد أن كلًّا من “أوكرانيا” و”روسيا”: “دولتان صديقتان وتربطهما بتركيا علاقات سياسية واقتصادية واجتماعية وثيقة”، كما تستمر “تركيا” في عرض القيام دور الوساطة بين البلدين، وهي الوساطة التي لم تجد سبيلًا للنور حتى الآن.